عفوية .. قصة قصيرة لـ ابتهال الشايب

بداية (1)
تقول أمي في حائط الماضي .. حين كنت طفلا كتبت إحدى الفراشات ثلاث كلمات على حائط مستقبلي.. لا أذكر ذلك، أذكر فقط أنني في الماضي لم أهتم بالبحث عن الفراشات؛ كانت ثلاث كلمات كافية لي، أما الآن فأنا دائما في حاجة إلى المزيد.
بداية (1) مکرر
فجأة تنمو أربعة حوائط جلدية من حولي .. أعيش في غرفة من الجلد، أقشعر من إحاطتها لي في بادئ الأمر، لكن تقتحمني الطمأنينة حين أرى الفراشات. الآخرون يملكون غرقا مثلي، ينامون في جوفها، يستيقظون وهي من حولهم، يسيرون بها في الطرقات، يحيون بداخلها، تبرز الرأس من نافذة صغيرة في حائط أمامي للغرفة.. يطلق عليه “حائط المستقبل»، وفتحتان في حجم كف اليد لكي تخرج منها أذرع الإنسان إذا أراد أن يلتقط شيئا أو يأكل أو يشرب، وهناك في الأعلى حائط به لوحة لمعرفة تاريخ اليوم ورقم الشهر.. يقال عنه ”سقف الغرفة، والجدار الخلفي معلق عليه الماضي بتفاصيله الدقيقة، الحائط الواقع في جهة اليمين حائط تمتزج فيه الأفكار والأحلام على هيئة بقع تتصادم وتتنافر مع بقع الآلام التي يتنفسها الإنسان.. يطلق عليه الحائط المختلط»، أما الحائط في جهة اليسار فتلتصق به المشكلات. الغرفة حوائطها قصيرة، قدما الإنسان تظهران من أسفل، مما يعطي لنا فرصة الحركة والسير، نفس الشيء بالنسبة للفراشات، باستثناء الحوائط.. فهي من القشور الملونة. جلد غرفتي ناعم، مرن، يعلو لونه عن لون القمح قليلا.. مثل لون بشرتي، وبثور حمراء مبعثرة هنا وهناك.
نهاية (1)
أنتظر فراشه ما في بداية الطريق، لا يهم لونها، أنتظر أن تناديني، بينما يصطدم حجر صغير بحائط مستقبلي من الخارج، مصدرا صوتا عاليا على حين غرة، لا أدري من أين أتي. يثقب الحجر حائط مستقبلي في المنتصف، تلتصق به بعض ذرات التراب، أحاول تنظيفها لكن لا تستطيع يداي الوصول إليها.
نهاية (2)
تتوقف إحداهن أمامي، غرفتها سماوية اللون كأجنحتها البارزة من فتحتي حائط مستقبلها، أفتح غرفتي سريعا، حائط مستقبلي من الداخل مليء بالأشياء المبهمة، أخبرها أنني أود أن تكتب لي فتسعد بذلك، ترفع رأسها إلى أعلى، تختار النقطة التي ستبدأ الكتابة عليها في حائطي، تضع جبينها تحديدا عليها، تکاد تحركها، تسکن تماما.. ثم تنهرني بشدة.
نهاية (3)
يأكل الظمأ ثنايا فمي، أرمق حائط المشكلات، هناك من يصطدم بغرفتي فأترنح، أكاد أسقط. أذكر عندما غفلت ذات مرة، وحين استيقظت وجدت شرا كبيرا في الحائط المختلط، تحديدا في الجزء الملطخ ببعض اللآمال، أغته كثيرا، خاصة في أيام البرد، حين يصدر الهواء صوت صفير خلال المرور بداخله. وجدته أشعة الشمس أيضا فرصة للولوج داخل الغرفة كي تنير القليل من عتمتها، حتى التأم بنفسه ونسيت الأمر، وعادت غرفتي مكتملة. أستكمل السير بها متعبا، باتت ثقيلة وخشنة الملمس، أشرب القليل من الماء، تمر إحدى الفراشات بجواري، غرفتها صفراء تخترقها خطوط سوداء، أطيل النظر إليها دون أن أقوى على الكلام، تخبرني في جدة أنها لا تريد الكتابة لأحد.
نهاية (4)
لقى أوراق بيضاء قديمة على الغرفة، لا أعرف من يلقيها، قبل علي فراشة خضراء، تنطلق رصاصة من مكان ما تمر عبر رأسها فتنفجر، ترتطم بقايا رأسها بحائط مستقبلي ثم تسقط على الأرض، يداعبني النعاس. على الجانب الآخر من الطريق فراشة ذات غرفة برتقالية، ترسم على حائط مستقبل أحدهم بجبينها، يتزلزل قلبي، أخرج علبة کریم.. أفردها على الحوائط، أدلك في حركات دائرية على الجانبين، لكن لا أستطيع الوصول إلى جميع الأماكن.. خاصة حائط الماضي.
نهاية (5)
فراشتان تسيران معا، تضحكان، أنتظر.. ربما حين تريانني تكتبان لي، لكنهما تستمران في السير،. الماء لا يجدي. . أستلقي على الرصيف بضعف، أغمض عيني، تسقط ورقة شجرة صغيرة على وجهي، تسكن على حائط مستقبلي من أعلى، أستيقظ.. فتترك حائطي وتكمل نومها على الأرض.
نهاية (6)
أحدهم يهاجمني دون سبب، یکاد یکسر غرفتي، أجري بعيدا وأنا أصارع إنهائي، عراك أنفاسي مع ثقل الغرفة مرير، تظهر الشققات على الحوائط، أخرج کرا آخر، تغشى فراشة، تريد أن تكتب لي فيحاول أحدهم جذبها بعيدا ثبت أقدامها الرفيعة على الأرض، تتشبث أجنحتها بأطراف غرفتي، يستمر هو في الجذب، فتترك غرفتي . مرغمة.. وتبتعد.
نهاية (7)
يدق شيء في رأسي. يطير في الهواء کيس أسود فارغ، ينجذب إلى الأرض بهدوء بالقرب من حائطي، يلامسه برقة فأبتعد. تحثني قشور بيضاء على الحك في جميع أجزاء الغرفة، وأنا أطيل النظر إلى إحدى الفراشات، التي تدقق النظر فيما أفعله.. ثم تخبرني في ضيق: ”لدي من أكتب له، شكرا لك
نهاية (8)
تحتاج الحكة، أقنع الفراشات بأنني سأرضى بما يكتبونه، أؤكد لهم أن. في استطاعتي الانتظار حتى يقبلوا، أتناول الكثير من الماء، لا أستطيع الحراك. يلم فستان ملقي على الرصيف حافة حائط مستقبلي الشفلية دون قصد، أتناول الماء بكثرة، يظهر أم عنيف داخل أحشائي، قدمت إلي إحداهن تعرض الكتابة، لونها رمادي، أفقد ردود الفعل، تضع جبينها على الحائط، تغوص رأسها في الجلد، لم أعلم أن حائطي رخؤ إلى هذه الدرجة، عيد المحاولة حتى يظهر تمزق بسيط، تتركني.. وحائطي يتصبب عرقا.
نهاية (9)
أغتسل، أستخدم خرطوما طويلا كي يصل إلى كل الأجزاء تتجمع قطرات الماء داخل الشققات. تختفي الفراشات، أضطر إلى السفر بحثا عنها، لا أعرف وجهتي لكن.. الفراشات بالتأكيد في مكان آخر.
نهاية (10)
أصل إلى أحد الأماكن، أحمل سطرين كتبتهما إحدى الفراشات، يبدو كأنها كانت تنتظرني وتعلم أنني قادم.. وأحتاج إليها. يتشاجر معي، لا أعرفه، يفتح باب غرفتي، يمسح بذراعه أحد السطرين.. ثم يتركني، سطران.. أصبحا واحدا، اختفى الآخر، لم يعلق كثيرا بالحائط، ربما كان وجوده سيجشع بقية الفراشات على الكتابة وسیزددن لولا ما فعله. أثناء تفكيري يختفي السطر الآخر.. وأعود كما كنت.
نهاية (11)
ألقي زجاجة الماء بعيدا، أستند على أحد الأعمدة، تزورني فراشة تبدو مريضة، تنظر. ثم تفتح باب غرفتي ببطء، تحاول أن تكتب لكن أجنحتها مكسورة، لا تستطيع أن تحركها أو ترتفعها، تحاول وضع خطوط ضعيفة، تمر عليها عدة ثواني.. ثم تتلاشي.






